تفضح حال فيروز هذه الحجة وتُعريّها. المسألة مقلوبة كلياً. من لم يكن جزءاً من الإبداع ولا مساهم فيه، يستطيع منع من كان أساسياً في الإبداع والفن، بفضل قوانين خشبية في المُلكية الفكرية! ما الذي قدّمه الورثة فناً وعطاءاً وفكراً، لأعمال إبداعية "كانت" فيروز مكوّناً أساسياً فيها؟ ما هو الإبداع الذي تحميه هذه الممارسة المتشددة للمُلكية الفكرية، عندما تنحاز للوارث الذي لم يعمل ولم يعط، على حساب من أعطى صوتاً وفناً وعرقاً وعمراً وجهداً وفكراً؟javascript:emoticonp('')
لا يهدف هذا القول الإنحياز لطرف أو لآخر، بل للإضاءة على مدى تخلّف النقاش لبنانياً وعربياً بشأن المُلكية الفكرية، وخصوصاً تغييبها مسألة العلاقة المضطربة بين الإبداع وتلك المُلكية. واستطراداً، فلربما أدى نقاش أكثر تعمّقاً إلى سؤال آخر عن مسرحيات رحبانية غدت جزءاً من الثقافة العامة للبنان، مثل "فخر الدين". وبديهي القول أنه من الحجج الواهية لمتشددي المُلكية الفكرية،
ثمة مثال يأتي من تاريخ التكنولوجيا في الولايات المتحدة. فعند إختراع الطائرة, ظهر نزاع بين الإبداع والمُلكية في أميركا. إذ رفع بعض المزارعين دعاوى في القضاء الأميركي، اشهرها تلك التي رفعها آل كوسبي، مفادها أن مرور javascript:emoticonp('')الطائرات فوق مزارعهم تنتهك حقوقهم في المُلكية! والحال أن القانون الأميركي قبل ذلك، كان ينص على ان مُلكية الأرض تمتد إلى أخر نقطة في السماء. وسرعان ما تنبّهت المحكمة العليا في أميركا الى ان هذا النمط من القوانين بات متطرفاً ومتشدداً، بالقياس الى التطوّر إنسانياً وإجتماعياً. ورُدّت دعوى آل كوسبي وأضرابهم. وغُيّرت القوانين كي تعطي للإبداع، وليس لوراثة المُلكية، اليد العليا.javascript:emoticonp('')
ويُعطي منع الفنانة فيروز من إداء مسرحيات ساهمت في إبداعها، على يد من لا يملك سوى وراثة المُلكية، مثالاً لبنانياً وعربياً واضحاً. وإذا نظر الى المسألة من زاوية التنازع بين الإبداع والمُلكية، تمثّل فيروز في هذا النزاع ما مثّلته الطائرة، في ما يقف الورثة في الزاوية التي وقف فيه آل كوسبي وغيرهم من مؤيدي التطرف في ممارسة المُلكية.
فيروز "كانت" مُكوّناً أساساً في إبداع المسرحيات التي تمنع من إدائها راهناً. الارجح ان قوانين المُلكية الفكرية لن تستطيع منعها من أن تبقى، كما هي راهناً، صوتاً وموهبة وإبدعاً يحمل تلك الأعمال الفنية الى الناس والفن.
(كركور)